في افتتاحية مجلة ( تشالنجز ) الباريسية كتب ( بوفيس فاتسون ) رئيس تحريرها موضوعا بعنوان ( البابا أو القرآن ) أثار فيه موجة عارمة من الجدل وردود الأفعال في الأوساط الاقتصادية حيث تساءل فيه عن أخلاقيات الرأسمالية ودور المسيحية كديانة والكنيسة الكاثولوكية بالذات في تكريس هذا التوجه والتساهل في تبرير الفائدة مشيرا أن هذا التوجه الاقتصادي السيء أودى بالبشرية الى الهاوية , وتساءل الكاتب بأسلوب يقترب من التهكم من موقف الكنيسة والبابا ( بندكيت السادس عشر ) قائلا( أظن أننا بحاجة أكبر في هذه الأزمة الى قراءة القرآن بدلا من الانجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات وما وصل بنا الحال الى هذا الوضع المزري , لأن النقود لا تلد النقود )
أردت بهذه المقدمة أن أعقب على الأستاذ ( عبد العزيز القاسم ) في ملحق الدين والحياة 24/10/على مقاله المعنون ( هل نشهد سقوط الرأسمالية ) ومما قاله ( أنه يتصور أن الرأسمالية لن تسقط بل ستعالج من داخلها. والواقع يقول غير هذا اذ ان سقوط الرأسمالية حدث بالفعل وان كانت ستعالج فإن علاجها لن يكون إلا بما يوافق الفطرة ويوافق الأخلاقيات المتأصلة في بني الانسان كما أتوقع سقوطها كما سقطت الشيوعية لأن أي حضارة لا تتخذ من الأخلاق والحق منهجا لها فسوف تسقط , فما بالنا بنظام يقوم على الربا في أبشع صورة وهذه الأزمة في نظري يجب أن تعيد معها دول عربية كثيرة حساباتها قبل أن ينهار اقتصادها كما حدث مع الدولة العظمى لاعتمادها في أكثر مشاريعها على الربا معلنة الحرب على الله جل في علاه فأعلن الله عليها الحرب ( فأذنوا بحرب من الله ) ويمحق الله بركة أرضها وثمارها وناسها ( ويمحق الله الربا ) ولا يربي سبحانه الا الصدقات وما فيها من بركات على أنه يجب أن نذكر أن هذه الأزمة لم تنفصل كثيرا عن تداعيات حربي العراق وأفغانستان ودول غيرها كثيرة عملت فيها الولايات ما عملت فانهار سقف بيتها من جراء عاملين رئسيين الرأسمالية المتمثلة في الربا بمعاملاتها الجائرة واحتلال بلاد المسلمين وما تبعه من عجز في ميزانية الولايات لما صرفته من مليارات وقد أصمت أذنها عن رأي كبار مفكريها السياسيين والاقتصاديين! دعونا نخوض قليلا مع كبار مفكري الغرب أنفسهم لنرى كيف تنبؤا بحلول الكارثة وكيف حذروا منها ووصوا بتطبيق نظام بديل لها وهذا البديل يوافق ما لدينا من نظام مالي اسلامي تتجاهله أغلب البنوك العربية وحالها ليس ببعيد عن حال الرأسمالية , اذ ستشهد هي قبل غيرها سقوط الربا خصوصا أن حربه قد امتدت في صميم حياة الإنسان وكبلته وقيدته بالديون والفوائد والقروض المضاعفة . مع أننا لسنا بحاجة لمن يذكرنا بما لدينا من نظام اذ لو طبق لعم الأمان وتقلصت الأضرار , ولسنا في حاجة إلا لتطبيقه على التمام , ففي مارس ( 2008 ) صدر كتاب بعنوان ( رعاة العولمة ) تقول فيه كاتبته ( لوريتا نابوليني ) ايطالية الأصل وسبق أن عملت في مؤسسات مالية عديدة ( عشرة أعوام على الأكثر يمكن أن يصمد النظام الاقتصادي الغربي فيها فعلامات النهاية واضحة في أزمة العقارات الأمريكية , ولكن القليل يعلمون بوجود نظام مالي بديل سيبقى من بعدنا وهو النظام المالي الاسلامي , فلديه شفرة أخلاقية أضعناها منذ زمن بعيد ) وكتب ( جاكوب هايبلرون ) الألماني تحت عنوان ( نهاية الحلم الأمريكي ) يقول فيه ( إن السقوط المالي والأخلاقي الأمريكي الراهن لم يحدث بين عشية وضحاها ) وياليت البيت الأمريكي يستجيب للأصوات الداعية لنبذ النظام الرأسمالية كي ينجو بنفسه وبغيره ويعترف بهزيمته , , في الإطار ذاته لكن بوضوح وجرأة أكثر طالب ( رولان لا سكين ) رئيس تحرير صحيفة ( لوجورنال ) في افتتاحية هذا الأسبوع ( بضرورة تطبيق الشريعة الاسلامية في المجال المالي والاقتصادي ( بمعنى منع الربا والغاء نظام الفائدة ) لوضع حد لهذا التلاعب والافراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة وعرض ( لاسكين ) في مقاله الذي جاء بعنوان ( هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الاسلامية ) وفي استجابة على ما يبدو لهذه النداءات أصدرت الهيئة الفرنسية العليا للرقابة المالية وهي أعلى هيئة تعنى بمراقبة البنوك في وقت سابق قرار يقضي بمنع تداول الصفقات الوهمية واشتراط التقابض في أجل محدد بثلاثة أيام لا أكثر من ابرام العقد وهو ما يطابق مع أحكام الفقه الاسلامي , كما أصدرت نفس الهيئة قرار يسمح للمؤسسات والمتعاملين في الأسواق المالية بالتعامل مع نظام الصكوك الإسلامي في سوق المنظمة الفرنسية وهي عبارة عن سندات مرتبطة بأصول ضامنة .
أما كاتبة السطور فتقول ( متى سنشهد سقوط الربا ) في عالمنا ,لأن سقوطه سيدفع الغلاء والوباء والبلاد والقحط والجفاف